ذكريـات

 

 

       حضـرة الـرؤسـاء الأفاضـل، آبائـي الأجلاء، سـيّـداتي سـادتي، أيها الـزملاء الـكرام،

 

       هـا قـد أشـرفت علـى الأربعين عـامًا فـي خـدمة مـدرسـة أحببتهـا، وربيـت فيهـا أجيالاً  وأجيالاً تركـت بصماتها فـي شتّى الحقـول، سيـاسية، دينيـة، تربويـة واقتصـادية... فترسّـخت بيني وبين القيمين علـى المـدرسة علاقـة وطيـدة زادتها السـنون متانـة.

 

       إن أُنسـى لـن أنسـى تلك الأيام العصيبـة التي قضيتهـا وشـلّة مـن الرفاق مسـجوني الأحـداث الأليمـة التي هبّـت علـى البلاد. كانت تلك الأيام طويلـة قـاسية؛ لكن لطف الآباء خفّف مـن مرارتها.  ذكـريات تناقلتهـا الألسن، وقصص بعض القييمين عليهـا ما زالت عالقـة فـي ذاكرتي. وأخص بالـذكر منها ما جـرى منـذ حوالـى 25 سـنة عنـدما كـنا وبعض الآباء، رحمات الله عليهم، نحتسي طعام العشـاء السـاخن فـي وقت تفجّـر فيـه غضـب السـماء صـواعق وحقـد  السياسيين قـذائف، ولا مبالاة المسـؤولين انقطاع التيـار الكهربائـي المفاجـئ. 

فبينما كان الأب جلبير، المشـهور بقراءة الكتاب عموديًا وبسـرعة، يتلو السـنكسـار Martyrologe، فوجـئ الكل بـدوي القـذائف والصـواعق وبانقطاع التيار الكهربائـي.  حبس الحاضـرون أنفاسـهم، وتوقّفـت أيـدي المحتسين بملاعقهم قبيل أفواههم؛ أما الأب جلبير، فواصـل القـراءة كأنّ شيئًا لم يحصـل.  سكـوت أموات خيّـم علـى الحاضـرين؛  لكـن سـرعان ما تفجّـرت قهقهات صـاخبـة اوقفها الأب عبـدلله داغـر بنقـر السكين علـى الكوب وامائـر الضحك باديـة علـى وجهـه. 

          خـالف الأمر الأب بليسييه الـذي لم يتوقّف عـن الضحك المكبوت رغـم كل المحاولات، فقـال بلهجـة السـاخـر:  " حضـرة الأب، أعِـد ما قـرأته,"

          وببسـاطة طفوليـة، انصـاع الأب جيلبير وأعاد القـراءة وسـط أجواء الضحك والغمـز.

          عنـد هـذا انبـرى الأب داغـر مقـاطعًا وقـال:  " Deo Gratias." 

          هـذه قصـة مـن مئات الـذكريات غيرهـا عنـد الآباء والمعلمين والطلاب.

 

جوزف أبو خليل